فيروز سمفونية زياد الغائبة

فيروز سمفونية زياد الغائبة

فيروز سمفونية زياد الغائبة

فيروز صوت الأشجار وحفيف الأوراق ، لحن الشتاء في قمة الجبل ، مزيج الأحاسيس المتنافرة ، سكون من يقف في وجه العواصف ، المرض والموت والإعاقة و الخوف من كل شيء ، فيروز التي عاشت تغني ألحان زوجها و أخيه ، تقف بشموخ من يغني تراتيل مقدسة ، حضور ملائكي ، يمللأ المكان ، ينسيك كل شيء إلا هي ، كلمات نقية كثلج بيروت ، وألحان مبدعة تسافر بك إلى أعالي الجبال ، فيروز القامة الكبيرة فنيا ، هي أم أيضا ، عاشت لأبنائها الأربعة ، ترعاهم و ترافقهم في كل المحطات ، عاشت الفرح مع ولادة زياد و الوجع مع ابنها الثاني هلي الذي ولد بإعاقة كاملة ، ثم عانت من فقد ابنتها ليال ، في حين انتشت بنجاح ابنتها الصغيرة ريمة الكاتبة المسرحية والمحرجة .

فيروز التي عاشت تغني للناي والطبيعة والسلام ، عاشت كذلك مع زوجها عاصي حتى وفاته ، واستمرت تحيي ذكراه كل سنة ، بوفاء كبير ، وكما غنت ألحانه وكلماته ، غنت لابنها البكر زياد و ربطتها به علاقة عميقة ، تقاسما فيها حبهما للفن ، و ظل زياد يحكي ذائما عنها كأم استثنائية ، ملهمته في أكبر أعماله ، و رفيقة إبداعاته ، رغم اختلافها الفكري ، كان ارتباطهما الروحي ينتصر رغم كل شيء .

زياد كان امتداد فني لنفس والده عاصي الرحباني وعمه منصور ، وبالتالي امتداد للنهر الفيروزي ، الذي لم يجف مع غياب عاصي ومنصور ، بل استمر في الانسياب مع زياد المبدع ، ورافق الوالدة في الكثير من المحطات المهمة ، رغم قطيعته معها التي امتدت لسنتين ، لكنه عاد إلى حضنها وحنانها ليلحن لها أغنية كيفك إنت ، العبارة التي قالتها له أول ما رأته بعد غيبة طويلة .

زياد الطفل الكبير لفيروز و رفيقها الفني يرحل في صمت ، يغادر الحضن الذي لم يرحل عنه أبدا رغم كل فراق ، لتعيش فيروز مرة أخرى وجع الفقد بمرارة كبيرة ، لكن هذه المرة وجع كبير ، يمتد ليوقف سمفونية امتدت لسنوات بلون المطر و عطر السلام .