عندما انطلقت كاميرا أنس في أزقة غزة ودروبها ، ملتقطة ما يجري هناك ، من جرائم حرب لم تشهدها البشرية قط ، لم يكن يعلم أن صدق مشاعره الملتحمة بالمكان وأهله ،ورغبته في فضح ما يقع ، بنشره لكل ما يلتقطه على صفحته على مواقع التواصل ، لم يكن يعرف أنها خطوته الأولى نحو إيصال كلمته و موقفه للعالم ، فمنبر الجزيرة الإعلامي إلتقط صدقه وحرفيته واندماجه في حرب أصبحت كل حياته ...تم الإتصال بأنس ودعوته للعمل كصحفي ، لنقل الخبر من قلب المكان ، غمرته فرحة كبيرة لهذا الإنضمام الذي لم يكن يحلم به ، وارتدى سترته المهنية ، ممسكا بميكروفون الجزيرة ، معبرا عن وسط قهرته نيران المدافع والصواريخ ، عن أهالي يموتون بالليل والنهار ، عن أطفال يبحثون عن لقمة في العراء ، شهد معركة التجويع التي قام بها الصهاينة ونقلها بالكثير من الشفافية ، و بكى أمام العالم وهو ينقل مشاهد موت الأطفال ، كان صادقا في كل كلمة كان ينطق بها ، فبث الهلع في قلوب العدو ، فجرائمهم أصبحت معلنة أمام العالم و هتكم لكل القوانين الأممية أصبحت على مرأى ومسمع الكل ، وبدأت شعوب العالم تستنكر ما يقع في غزة ، خرجوا إلى الشوارع يهتفون و ينددون ... فقرر الصهاينة إخراجه من أرضه ليوقفوا هذه المداخلات التي تحرك القلوب والعقول ، هددوه بجميع الطرق وأرسلوا له دعوات للرحيل بعيدا عن غزة ، لكن أنس إختار البقاء في قلب المعركة ، إختار أن يجاهد بنقله لمشاهد الموت المرعبة وصور الأرامل وهن يقارعن جوع أطفالهن ، كان يعرف أن الموت يحاصره ، لكنه أبى أن يغادر أهل غزة فاختار البقاء ليغتال مع صحفيين آخرين ذات صباح ، لينتقل إلى الرفيق الأعلى وهو لم يكمل الثلاثين من عمره ، ترجل في انبهار ليحمل على الأكتاف تاركا وراءه أما آمنت بوفائه لوطنه ، وزوجة كانت تعرف أن طريقه مليئة بالألغام ، وأبناء صغار لم يشبعوا من حضنه ...استشهد أنس ليتحول إلى خبر حزين على شاشات الأخبار ، وليبكيه كل من يعرفه وكل من لا يعرفه ، كوجه جميل كان يطل من قلب المعركة ببسالة قل نظيرها في مجتمعات تكتفي بالهتاف والشعارات مع ارتداء الكوفية وسط الشوارع .