اقتحام المسرح بين عفوية الإعجاب وفوضى السلوك: جدل يتجدد في الحفلات العربية

عادت ظاهرة اقتحام المعجبات لخشبة المسرح خلال الحفلات الغنائية لتثير جدلًا واسعًا، خاصة بعد مواقف حديثة مع راغب علامة وتامر حسني. وبين من يعتبرها تصرفات عفوية بدافع الحب، ومن يراها انتهاكًا للخصوصية وتجاوزًا للحدود، تتصاعد الدعوات لضبط وتنظيم هذه السلوكيات، خاصة لما لها من تأثير على صورة المرأة، والسلوك الجماهيري، وأمان الفنانين.

اقتحام المسرح بين عفوية الإعجاب وفوضى السلوك: جدل يتجدد في الحفلات العربية

تشهد الحفلات الغنائية في العالم العربي مؤخرًا ظاهرة لافتة باتت تثير الكثير من الجدل والنقاش، وتتعلق بتصرفات بعض المعجبين – خاصة المعجبات – الذين يقدمون على اقتحام خشبة المسرح أثناء العروض الحية، في لحظات يغلب عليها الاندفاع والانبهار العاطفي، وأحيانًا تتجاوز حدود اللباقة.

 

وقد تجدد النقاش حول هذه الظاهرة عقب ما تعرض له الفنان اللبناني راغب علامة خلال حفل أحياه مؤخرًا، حيث قامت إحدى المعجبات باقتحام المسرح، واحتضنته بطريقة فاجأت حتى الفنان نفسه، وتسببت في إرباك أمني وتنظيمي. وسُرعان ما انتشرت المقاطع المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انقسم الجمهور بين من اعتبر الموقف عفويًا وغير مقصود، ومن رآه تعديًا واضحًا على الخصوصية ومسًا بصورة الفنان أمام جمهوره.

 

الموقف ذاته – وإن بصيغة مختلفة – تكرر أيضًا مع الفنان المصري تامر حسني خلال إحدى حفلاته الصيفية، إذ صعدت إحدى المعجبات إلى الخشبة في محاولة للاقتراب منه والتقاط صورة، ما اضطر عناصر الأمن للتدخل السريع، بينما تعامل النجم مع الموقف بحذر حفاظًا على هدوء الجمهور وسير الحفل.

 

الظاهرة لم تمر دون أن تثير موجة من التفاعلات على المنصات الاجتماعية. البعض دافع عن سلوك هؤلاء المعجبات معتبرين أن "الحب الكبير للفنان" قد يدفع أحيانًا إلى تصرفات غير محسوبة. فيما رأى آخرون أن التحرّك العفوي لا يبرّر خرق القواعد الأمنية، ولا مسّ المسافة الشخصية للفنان، مهما كانت نوايا المُعجب أو المُعجبة.

 

فنانون آخرون أعربوا في تصريحات صحفية سابقة عن استيائهم من هذه السلوكيات، مشددين على ضرورة ضبط الأمور حماية لهم ولجمهورهم على حد سواء، خصوصًا في ظل التحديات الأمنية، واحترامًا لطبيعة الفضاء الفني كمجال تعبيري لا يجب أن يُخترق.

 

من بين أبرز الآثار السلبية المرتبطة بهذه الظاهرة، ما يتعلق بصورة المرأة في المجتمع، خصوصًا حين تكون الطرف الأكثر بروزًا في مثل هذه المواقف. إذ يرى كثيرون أن هذه التصرفات الفردية قد تُستخدم بشكل مجحف لتغذية الصور النمطية السلبية عن النساء، والربط غير العادل بين حرية التعبير العاطفي والتصرفات الاندفاعية أو "غير المنضبطة".

 

وفي مجتمعات لا تزال تُخضع المرأة لأحكام قاسية بناء على تصرفات فردية، فإن مشهد معجبة تقتحم المسرح لاحتضان فنان أو التقاط صورة قسرية قد يساهم في تقويض نضالات نسوية طويلة هدفت إلى ترسيخ صورة المرأة ككيان مستقل، ناضج، يحسن التقدير والتصرف.

 

كما أن تكرار هذه السلوكيات من شأنه أن يخلق نموذجًا خطيرًا للأجيال الصاعدة، ويطبع معها فكرة أن الشهرة تبرر التعدي، وأن الانبهار يسبق الاحترام.

 

يرى عدد من المتخصصين في علم الاجتماع والسلوكيات الجماهيرية أن هذه الظاهرة تعكس خللًا في فهم العلاقة بين الفنان وجمهوره، حيث تتحول العلاقة الرمزية إلى نوع من التملك أو الاستحواذ. كما يحذرون من أن تطبيع مثل هذه التصرفات يمكن أن يشجع مزيدًا من السلوكيات المتهورة، أو حتى الخطيرة، خصوصًا مع الانتشار السريع للفيديوهات على وسائل التواصل.

 

ويضيف البعض أن التأثير النفسي للعالم الرقمي، خصوصًا منصات مثل تيك توك وإنستغرام، غذّى وهم "القرب من النجوم"، وولّد شعورًا زائفًا بالألفة، قد يترجمه البعض ميدانيًا إلى تصرفات غير مقبولة

 

و في الختام، تبقى العلاقة بين الفنان وجمهوره علاقة قائمة على الحب والاحترام، لكن الحفاظ على هذا التوازن يتطلب وعيًا مشتركًا، وحدودًا واضحة. فالفنان ليس مجرد شخصية شهيرة على الخشبة، بل إنسان له خصوصيته، ومجال حركته وأمانه.

 

وبين عفوية التعبير عن الحب، وتجاوز الخطوط الحمراء، تبقى الحاجة ملحّة إلى تنظيم أفضل للحفلات، وتوعية الجمهور، لضمان أن يظل المسرح مساحةً للفرح والإبداع، لا ساحة للفوضى والمواقف المحرجة – خصوصًا حين تخرج عن الإطار الأخلاقي أو تمسّ صورة المجتمع ونساءه. 

 

 

تعليقات

لم يتم نشر أي تعليقات حتى الآن.
تسجيل الدخول لإضافة تعليق